فصل: الباب الأول في الفيء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل ادعاء رد الوديعة

إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك صدق بيمينه فإن مات قبل الحلف ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه لم يقبل إلا ببينة وتفصيله بصور إحداها إذا مات المالك لزم المودع الرد على ورثته حتى لو تلف في يده بعد التمكن من الرد ضمن على الأصح فإن لم يجد الورثة رد إلى الحاكم وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة أما إذا علموا فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم ولو طالبه الوارث فقال رددته على المالك أو تلف في يدي في حياته صدق بيمينه وإن قال رددته عليك فأنكر فالمصدق الوارث وإن قال تلف في يدي قبل تمكني من الرد فهل المصدق الوارث كدعوى الرد أم المودع لأن الأصل براءته وجهان قلت ينبغي أن يكون الثاني أصح و الله أعلم‏.‏

فإن كان المالك غائبا سلمها إلى الحاكم فلو تنازعا فقال وارث المودع رد عليك مورثي أو تلفت في يده قال المتولي لم يقبل إلا ببينة وقال البغوي يصدق بيمينه وهو الوجه لأن الأصل عدم حصولها في يده ولو قال رددتها عليك فالمصدق المالك ولو قال تلفت في يدي قبل التمكن فعلى الوجهين‏.‏

الصورة الثالثة لو قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره رددت على المالك وادعاه الملتقط لم يصدق إلا ببينة‏.‏

الصورة الرابعة إذا أراد المودع سفرا فأودعها أمينا فادعى الأمين تلفها صدق وإن ادعى الرد المالك لم يقبل لأنه لم يأتمنه وإن ادعى الرد على المودع صدق لأنه أمينه كذا ذكره الغزالي والمتولي وهذا ذهاب إلى أن للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها وبه صرح العبادي وغيره وحكي عن الإمام أن اللائق بمذهب الشافعي رحمه الله منعه من الاسترداد بخلاف المودع يسترد من الغاصب على وجه لأنه من الحفظ المأمور به ولو كان المالك عين أمينا فقال إذا سافرت فاجعلها عند فلان ففعل فالحكم بالعكس إن ادعى الرد على المالك صدق وإن ادعاه على المودع الأول لم يصدق‏.‏

الصورة الخامسة قال المودع للمالك أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك فللمالك أحوال أحدها ينكر الإذن فيصدق بيمينه فإذا حلف نظر إن كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية ردها على المالك فإن غاب المدفوع إليه فللمالك تغريم المودع فإذا قدم أخذها وردها على المالك واسترد البدل وإن كانت تالفة فللمالك تغريم أيهم شاء وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن المالك ظالم بما أخذ وإن كان فلان منكرا صدق بيمينه واختص الغرم بالمودع الحالة الثانية يعترف بالإذن وينكر الدفع فوجهان‏:‏ أحدهما يصدق المودع وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك وأصحهما تصديق المالك لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه ولو وافق فلان المودع وقال تلفت في يدي لم يقبل قوله على المالك بل يحلف المالك ويغرم المودع الحالة الثالثة يعترف بالإذن والدفع معا لكنه يقول لم تشهد والمدفوع إليه منكر فيبنى على وجوب الإشهاد على الإيداع فإن لم نوجبه فليس له تغريمه وإن أوجبناه فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة ولو اتفقوا جميعاً على الدفع إلى الأمين وادعى الأمين ردها على المالك أو تلفها في يده صدق بيمينه هذا إذا عين المالك الأمين أما لو قال أودعها أمينا ولم يعينه فادعى الأمين التلف صدق وإن ادعى الرد على المالك فالمصدق المالك لأنه لم يأتمنه كذا ذكروه ولو قيل أمين أمينة أمينة كما تقول على رأي وكيل وكيل وكيله لم يبعد قلت بل هو بعيد والفرق ظاهر‏.‏

في يده مال جاء رجلان ادعى كل أنه مودعه فجوابه يفرض إحداها أن يكذبهما ويقول المال لي فيحلف لكل أنه لا يلزمه تسليمه إليه الصيغة الثانية أن يقر لأحدهما بعينه فيعطاه وهل يحلف للآخر يبنى على أنه لو أقر لزيد بشيء ثم أقر به لعمرو هل يغرم لعمرو إن قلنا لا فلا وإن قلنا نعم عرضت اليمين عليه فإن حلف سقطت دعوى الآخر وإن نكل حلف الآخر ثم هل يوقف المال بينهما إلى أن يصطلحا أم يقسم بينهما كما لو أقر لهما أم يغرم المدعى عليه القيمة له فيه ثلاثة أوجه عن ابن سريج قال ابن الصباغ المذهب هو الثالث الصيغة الثالثة قال هو لكما فهو كمال في يد شخصين يتداعيانه فإن حلف أحدهما قضي له ولا خصومة للآخر مع المودع لنكوله وإن نكلا أو حلفا جعل بينهما وحكم كل واحد منهما في النصف الآخر كالحكم في الجميع في حق غير المقر له وقد بيناه الصيغة الرابعة قال هو لأحدكما وقد نسيت عينه فإن ضمنا المودع بالنسيان فهو ضامن وإلا نظر إن صدقاه فلا خصومة لهما معه وإنما الخصومة بينهما فإن اصطلحا في شيء فذاك وإلا فيجعل المال كأنه في أيديهما يتداعيانه هذا هو الصحيح وقيل هو كمال في يد ثالث يتداعيانه لأنه لم يثبت لأحدهما يد فعلى الأول لو أقام كل واحد منهما بينة أو حلفا أو نكلا فهو بينهما وإن أقام أحدهما بينة أو حلف ونكل صاحبه قضي له وعلى الثاني لو أقام كل بينة فعلى الخلاف في تعارض البينتين وإن نكلا أو حلفا وقف المال بينهما وسواء قلنا بالأول أم بالثاني هل يترك المال في يد المدعى عليه إلى أن تنفصل خصومتهما أم ينزع منه فيه قولان أظهرهما الثاني وبه قطع البغوي وغيره قال المتولي والقولان فيما إذا طلب أحدهما الإنتزاع والآخر الترك أما إذا اتفقا على أحد الأمرين فيتبع الحاكم رأيهما أما إذا كذباه في دعوى النسيان وادعيا علمه فهو المصدق بيمينه ويكفيه يمين واحدة على نفي العلم لأن المدعى شيء واحد وهو علمه وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدعه الخصمان وجهان ثم إذا حلف فالحكم كما إذا صدقاه في النسيان وقيل ينتزع المال من يده هنا وإن لم ينتزع هناك لأنه خائن عندهما بدعوى النسيان وإن نكل ردت اليمين عليهما فإن نكلا فالمال مقسوم بينهما أو موقوف حتى يصطلحا على ما سبق وإن حلف أحدهما فقط قضي له وإن حلفا فقولان ويقال وجهان‏:‏ أحدهما يوقف حتى يصطلحا وأظهرهما يقسم لأنه في أيديهما وعلى هذا يغرم القيمة وتقسم بينهما أيضاً لأن كل واحد منهما أثبت بيمين الرد كل العين ولم يأخذ إلا نصفها هذا هو الصحيح الأشهر فيما إذا نكل المودع وقيل لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا وقيل لا ترد اليمين عليهما بنكوله بل يوقف بناء على أنهما لو حلفا وقف المال بينهما فلا معنى لعرض اليمين‏.‏

وإذا رددنا اليمين فهل يقرع بينهما أم يبدأ الحاكم بمن رأى وجهان أصحهما الثاني حكاه السرخسي في الأمالي وإذا حلفا وقسم بينهما العين والقيمة فإن لم ينازع أحدهما الآخر فلا كلام وإن نازعه وأقام أحدهما البينة أن جميع العين له سلمناها إليه ورددنا القيمة إلى المودع وإن لم يكن بينة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحق العين رد نصف القيمة الذي أخذه ولا يرد الناكل ما أخذه لأنه استحقه بيمينه على المودع ولم يعد إليه المبدل ونكوله كان مع صاحبه لا مع المودع وصرح في الوسيط بأن الناكل لا يرد سواء سلمت العين بالبينة أو باليمين‏.‏

فرع ادعى اثنان غصب مال في يده كل يقول غصبته مني فقال أحدكما ولا أعرفه حلف لكل منهما على البت أنه لم يغصبه فإذا حلف لأحدهما تعين المغصوب للثاني فلا يحلف له الحالة الخامسة قال هو وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أم لأحدكما أم لغيركما وادعيا علمه فحلف على نفي علمه ترك في يده حتى تقوم بينة وليس لأحدهما تحليف الآخر لأنه لم يثبت لواحد منهما يد ولا استحقاق بخلاف الصورة السابقة‏.‏

 فصل في مسائل منثورة

إحداها‏:‏ تعدى في الوديعة ثم بقيت في يده لزمه أجرة مثلها‏.‏

المسألة الثانية‏:‏ في فتاوى القفال أنه لو ترك حماره في صحن خان وقال للخاني احفظه كيلا يخرج فكان الخاني ينظره فخرج في بعض غفلاته فلا ضمان لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد‏.‏

المسألة الثالثة‏:‏ المودع إذا وقع في خزانته حريق فبادر إلى نقل الأمتعة وقدم أمتعته على الوديعة فاحترقت الوديعة لم يضمن كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فأخذ في نقلها فاحترق ما تأخر نقله‏.‏

المسألة الرابعة‏:‏ لو ادعى ابن المالك موت أبيه وعلم المودع بذلك وطلب الوديعة فله تحليف المودع على نفي العلم فإن نكل حلف المدعي‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏ مات المالك وطلب الوارث الوديعة فامتنع المودع ليفحص هل في التركة وصية فهو متعد ضامن‏.‏

المسألة السادسة‏:‏ من وجد لقطة وعلم مالكها فلم يخبره حتى تلفت ضمن وكذا قيم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يخبر الحاكم حتى تلف المال في يده ضمن وهذا كما قدمنا أنه يجب الرد عند التمكن أو هو هو‏.‏

المسألة السابعة‏:‏ من صور تعدي الأمناء أن لا يبيع قيم الصبي أوراق فرصاده حتى يمضي وقتها فيلزمه الضمان وليس من التعدي أن يؤخر لتوقع زيادة فيتفق رخص وكذا قيم المسجد في أشجاره وهذا شبيه بتعريض الثوب الذي يفسده الدود للريح وهذه المسائل سوى الأولى في المسألة الثامنة‏:‏ بعث رسولا إلى حانوته ودفع خاتمه معه علامة وقال رده علي إذا قبضت المأمور بقبضه فقبضه ولم يرد الخاتم ووضعه في حرزه فلا ضمان ذكره العبادي في الزيادات كأن المعنى أنه ليس عليه الرد ولا مؤنثه وإنما التخلية‏.‏

المسألة التاسعة‏:‏ في فتاوى القاضي حسين أن الثياب في مسلخ الحمام إذا سرقت والحمامي جالس في مكانه مستيقظ فلا ضمان عليه وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له هناك ضمن ويجب على الحمامي الحفظ إذا استحفظ وإن لم يستحفظ حكى القاضي عن الأصحاب أنه لا يجب عليه الحفظ قال وعندي يجب للعادة المسألة العاشرة عن بعضهم لو أودعه قبالة وقال له لا تدفعها إلى زيد حتى يعطيك دينارا فدفعها إليه قبل أن يعطيه فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغد وأجرة الوراق قلت ومن مسائل الباب قال أصحابنا لو أكرهه على قبول وديعة وحفظها فأخذها لم تكن مضمونة عليه كما لو قبضها مختارا وأولى ولو تعين عليه قبول وديعة فلم يقبلها وتلفت فهو عاص ولا ضمان لأنه لم يلتزم الحفظ و الله أعلم‏.‏

 كتاب قسم الفيء والغنيمة

المال المأخوذ من الكفار منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب وإلى حاصل بذلك ويسمى الأول فيئا والثاني غنيمة ثم ذكر المسعودي وطائفة أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر فاذا جمع بينهما افترقا كاسمي الفقير والمسكين وقال الشيخ أبو حاتم القزويني وغيره اسم الفيء يشمل المالين واسم الغنيمة لا يتناول الأول وفي لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر ما يشعر به وبيان قيمة المالين يقع في بابين‏.‏

 الباب الأول في الفيء

فمنه ما جلا عنه الكفار خوفا من المسلمين إذا سمعوا خبرهم أو لضر أصابهم وجزية أهل الذمة وما صولح عليه أهل بلد من الكفار وعشور تجاراتهم المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الإسلام ومال من مات أو قتل على الردة ومال من مات من أهل الذمة عندنا ولا وارث له وكل ذلك مخمس على ما سنفصله إن شاء الله تعالى‏.‏

هذا هو المذهب وحكي عن القديم أن مال المرتد لا يخمس فقيل يختص هذا القول بالمرتد ويخمس ما سواه قطعاً لأن المرتد يستصحب به حكم الإسلام كما يؤمر بقضاء الصلوات وتلزمه الحدود وقيل ما تركوه خوفا من المسلمين يخمس قطعاً وفيما سواه يطرد القول القديم وبهذا الطريق قال الأكثرون ومنهم من طرد في جميع مال الفيء قولين الجديد يخمس كالغنيمة والقديم المنع لأنه لم يقاتل عليه كما لو صولحوا على الضيافة فإنه لا حق لأهل الخمس في مال الضيافة بل يختص به الطارقون قال البغوي وحيث قلنا لا يخمس فحكم جميع المال حكم الأخماس الأربعة على قولنا بالتخميس وفي مصرفها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

قال الروياني في الحلية لو صالحونا على مال عند القتال فهو غنيمة‏.‏

 فصل في مال الفيء

يقسم خمسة أسهم فأربعة يأتي بيان مصرفها والخمس الآخر يقسم على خمسة أسهم متساوية‏:‏ أحدها السهم المضاف إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح وأما بعده صلى الله عليه وسلم فيصرف هذا السهم في مصالح المسلمين كسد الثغور وعمارة الحصون والقناطر والمساجد وأرزاق القضاة والأئمة ويقدم الأهم فالأهم ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض العلماء أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى فذكر أبو الفرج الزاز أن بعض الأصحاب جعل هذا قولا للشافعي لأنه استحسنه وحكى في الوسيط وجها أن هذا السهم يصرف إلى الإمام لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذان النقلان شاذان مردودان السهم الثاني لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب يشترك فيه فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم بشرط كون الانتساب بالآباء فلا يعطى أولاد البنات قلت وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم وهو شاذ متروك و الله أعلم‏.‏

ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة فللذكر سهمان وللأنثى سهم وقال المزني يسوى بينهما وقال القاضي حسين المدلي بجهتين يفضل على المدلي بجهة‏.‏

فرع يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفيء والغائب عنه على الصحيح وقال أبو إسحاق ما حصل في إقليم دفع إلى من فيه لمشقة النقل واحتجوا للصحيح بظاهر الآية وبالقياس على الإرث وأما المشقة فيأمر الإمام أمناءه في كل أقليم بضبط من فيه ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الأقاليم بل الحاصل في كل إقليم يضبط يفرق على ساكنيه فإن لم يكن في بعضها شيء أو لم يف بمن فيه نقل قدر الحاجة قال الإمام ولو كان الحاصل قدرا لو وزع لم يسد مسدا قدم الأحوج ولا يستوعب للضرورة السهم الثالث لليتامى واليتيم الصغير الذي لا أب له قيل ولا جد ويشترط فيه الفقر على المشهور وقيل على الصحيح السهم الرابع والخامس المساكين وابن السبيل وقد سبق بيانهما في الزكاة‏.‏

فرع في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل وتخصيص الحاصل في كل إقليم‏.‏

فرع سبق في باب الوصية أن عند الانفراد يدخل الفقراء فيه وعكسه ولفظ المساكين هنا مفرد فيدخل فيه الفقراء وحينئذ مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الإقليم أو العالم تناول الفقراء أيضاً وهذا مقتضى كلام بعضهم ومنهم من يقول يجوز الصرف إلى الفقراء لأنهم أشد حاجة وهذا لا يقتضي تناولهم قلت الصحيح الأول وأنهما داخلان في الاسم وممن صرح به القاضي أبو الطيب في تعليقه والله أعلم‏.‏

فرع يجوز أن يفاوت بين اليتامى وكذا في المساكين وأبناء السبيل لأن هؤلاء يستحقون بالقرابة

فرع وعن القفال اختصاصه بيتامى المرتزقة وذكر الماوردي مثله في المساكين وأبناء السبيل فرع إذا فقد بعض الأصناف وزع نصيبه على الباقين كالزكاة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه للمصالح كما ذكرنا‏.‏

فرع لا يجوز الصرف إلى كافر‏.‏

فرع لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى ولا من المساكين ولا من أبناء السبيل كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الإمام قلت لا يجوز دفع شيء من سهم ذوي القربى إلى مواليهم قال صاحب التلخيص لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل قبل بلا بينة ولا يقبل اليتم والقرابة إلا ببينة والله أعلم‏.‏

 فصل وأما أربعة أخماس الفيء

ففي مصرفها ثلاثة أقوال أظهرها أنها والثاني للمصالح والثالث أنها تقسم كما يقسم الخمس فيقسم جميع الفيء على الخمسة الذين ذكرناهم وهذا غريب فعلى الثاني نبدأ بالأهم فالأهم وأهمها تعهد المرتزقة وكذا حكم خمس الخمس فالقولان الأولان متفقان على أن المصرف المرتزقة وإنما يختلفان فيما فضل عنهم‏.‏

فرع وظائف الإمام في القسمة على المرتزقة وللإمام في القسمة على المرتزقة وظائف إحداها‏:‏ يضع ديوانا قال في الشامل وهو الدفتر الذي يثبت فيه الأسماء فيحصي المرتزقة بأسمائهم وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض عليه أحوالهم ويجمعهم عند الحاجة ويثبت فيه قدر أرزاقهم قلت نصب العريف مستحب و الله أعلم‏.‏

الثانية‏:‏ يعطي كل شخص قدر حاجته فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم ويراعي الزمان والمكان وما يعرض من رخص وغلاء وحال الشخص في مروءته وضدها وعادة البلد في المطاعم فيكفيه المؤونات ليتفرغ للجهاد فيعطيه لأولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا وكلما زادت الحاجة بالكبر زاد في حصته وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الأولاد أم يتولى الإمام تعهدهم بنفسه أو بنائب له فيه قولان أظهرهما الأول‏.‏

وحكى الحناطي وأبو الفرج الزاز وجها أنه لا يعطي الأولاد شيئاً لأنهم لا يقاتلون وهذا شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة لم يعط له وإن كان يقاتل معه أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها أعطي له وكذا لو كان له عبد يخدمه وهو ممن يخدم بل لو لم يكن له عبد واحتاج إليه أعطاه الإمام عبدا ولا يعطي إلا لعبد واحد وفي الزوجات يعطي للجماعة وإذا نكح جديدة زاد في العطاء لأن نهايتهن أربع والعبيد لا حصر لهم وكأن هذا في عبيد الخدمة فأما الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا قلت كذا هو منقول وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد فيعطي لمن يحتاج إليه ويختلف باختلاف الأشخاص و الله أعلم‏.‏

والوجه الشاذ في الأولاد يجري في الزوجات والعبيد‏.‏

فرع يعطى المرتزق مؤنة فرسه بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا ولا فرس له ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها‏.‏

فرع يعطى كل منهم بقدر حاجتهم ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب في الإسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية بل يستوون كالإرث والغنيمة وفي وجه يفضل إذا اتسع المال الثالثة يستحب أن يقدم في الإعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على سائر الناس وهم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال الأستاذ أبو منصور هذا قول أكثر النسابين وبه قال الشافعي وأصحابه وهو أصح ما قيل‏.‏

وقيل هم ولد إلياس وقيل ولد مضر وقيل ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ثم يقدم من قريش الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن ملك بن النضر بن كنانة فيقدم بني هاشم وبني المطلب على سائر قريش ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم ويقدم منهما بني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبويه ونوفل أخوه لأبيه ثم بني عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى لأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ثم بني زهرة بن كلاب أخي قصي ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب ويقدم منهما بني تيم لمكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بني جمح وبني سهم وهما من ولد هصيص بن كعب وبني عدي ابن كعب وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب وقدم عمر رضي الله عنه من هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح وسوى بين بني سهم وبني عدي كما يسوى بين بني هاشم وبني المطلب قال الشافعي رحمه الله وقدم المهدي أمير المؤمنين في زمانه بني عدي على بني جمح وبني سهم لمكان عمر رضي الله عنه والذي فعله عمر رضي الله عنه كان تواضعا منه ثم يقدم بني عامر بن لؤي ثم بني الحارث بن فهر فإذا فرغ من قريش بدأ بالأنصار ثم يعطي سائر العرب هكذا رتب الأصحاب وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله وفي أمالي السرخسي أن هذا محمول على الذين هم أبعد من الأنصار فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار فيقدمون عليهم ومتى استوى اثنان في القرب قدم أسنهما فإن استويا في السن فأقدمهما إسلاما وهجرة قلت قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا فقال في الاحكام السلطانية يقدم بالسابقة في الاسلام فإن تقاربا فيه قدم بالدين فإن تقاربا فيه قدم بالسن فإن تقاربا قدم بالشجاعة فإن تقاربا فيه فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو برأيه واجتهاده وهذا الذي قاله هو المختار والله أعلم‏.‏

ثم بعد العرب يعطى العجم وفي المهذب والتهذيب أن التقديم فيهم بالسن والفضائل ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب وفيه كلامان أحدهما أن العجم قد يعرف نسبهم فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضاً الثاني أنا قدمنا في صفة الأئمة في الصلاة عن إمام الحرمين أن الظاهر رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح وسنذكر إن شاء الله تعالى أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه فليكن كذلك هنا قلت قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال إن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب جمعهم بالأجناس كالترك والهند وبالبلدان ثم إن كانت لهم سابقة في الإسلام ترتبوا عليها وإلا فبالأقرب من ولي الأمر فإن تساووا فبالسبق إلى طاعته والله أعلم‏.‏

قال الأئمة وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة مستحب لا مستحق الرابعة لا يثبت في الديوان اسم صبي ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد ولا ضعيف لا يصلح للغزو كالاعمى والزمن وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله يعطى لهم كما سبق وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون فإن رجي زواله أعطي ولم يسقط اسمه وإلا أسقط اسمه وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته وأولى بالاعطاء قلت ترك من شروط من يثبته في الديوان الاسلام وذكر الماوردي في الأحكام السلطانية شرطا اخر وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به فإن اختل ذلك لم يجز إثباته لعجزه عما هو مرصد له قال ولا يجوز إثبات الأقطع ويجوز إثبات الأعرج إن كان فارسا وإن كان راجلا فلا ويجوز إثبات الأخرس والأصم قال وإذا كتبه في الديوان فإن كان مشهور الاسم لم يحسن تحليته وإن كان فرع من مات من المرتزقة هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال المتبوع أم يستمر ترغيبا للمجاهدين قولان وقيل وجهان‏:‏ أظهرهما الثاني فعلى هذا ترزق الزوجة إلى أن تتزوج والأولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان ومن بلغ منهم وهو أعمى أو زمن رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ هذا في ذكور الأولاد وأما الاناث فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن الخامسة يفرق الأرزاق في كل عام مرة ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها فعل وإذا اقتصر في السنة على مرة فيشبه أن يقال يجتهد فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الاعطاء في أول السنة أو اخرها فعله وعلى هذا ينزل قوله في الوجيز يفرق في أول كل سنة وقول الآخرين يفرق في آخر كل سنة‏.‏

فرع إذا مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول صرف نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالإعراض عنه على الظاهر كذا قاله الإمام وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول فقولان ويقال وجهان‏:‏ أظهرهما يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالأجرة والثاني لا شيء لهم كالجعل في الجعالة لا يستحق قبل تمام العمل وإن مات قبل جمع المال وبعد الحول فظاهر النص أنه لا شيء للورثة وبه قال القاضي أبو الطيب وآخرون وبه قطع البغوي وقال الشيخ أبو حامد يصرف نصيبه مما سيحصل إلى ورثته وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول فإن قلنا إذا مات بعد الحول لا يستحق فهنا أولى وإلا ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل الحول وبعد جمع المال هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة فإن رأى الاعطاء في السنة مرتين فصاعدا فالاعتبار بمضي المدة المضروبة

 فصل جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفيء

فأما الدور والأرض فقد قال الشافعي رضي الله عنه هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها في كل عام كذلك أبدا هذا نصه فأما أربعة أخماس الفيء فمن الأصحاب من يقول الحكم بأنها وقف مفرع على أنها للمصالح فأما إن جعلناها للمرتزقة فتقسم بينهم كالمنقولات وكالغنيمة والأصح جريان هذا الحكم سواء قلنا للمصالح أو للمرتزقة لتبقى الرقبة مؤبدة وينتفع بغلتها المستحق كل عام بخلاف المنقولات فإنها معرضة للهلاك والغنيمة بعيدة عن نظر الإمام واجتهاده لتأكد حق الغانمين فإذا قلنا بالوقف فوجهان‏:‏ أحدهما المراد به التوقف عن قسمة الرقبة دون الوقف الشرعي وأصحهما أن المراد الوقف أحدهما يصير وقفا بنفس الحصول كما يرق النساء والصبيان بالاسر وأصحهما لا لكن الإمام يقفها وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة ثمنها فله ذلك وقول الشافعي رحمه الله هي وقف أي تجعل وقفا وأما خمسه فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته بل يوقف وتصرف غلته في المصالح أو يباع ويصرف ثمنه إليها والوقف أولى ويجيء الوجه السابق أنه يصير وقفا بنفس الحصول وسهم ذوي القربى فيه الخلاف المذكور في الاخماس الاربعة تفريعا على أنها للمرتزقة وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يرتب على سهم ذوي القربى إن قلنا إنه وقف فهنا أولى ولأن ذوي القربى متعينون وإلا فالأصح أنه وقف وقيل لا وإذا تأملت هذه الاختلافات في الأخماس الأربعة ثم في الخمس علمت أن المذهب أن الجميع وقف وهو الموافق لنص الشافعي رضي الله عنه‏.‏

 فصل إذا زادت الأخماس الأربعة على حاجات المرتزقة

فإن قلنا إنها للمرتزقة وهو وفي جواز صرف شيء منه إلى إصلاح الحصون وإلى الكراع والسلاح ليكون عدة لهم وجهان‏:‏ أصحهما نعم فإن قلنا إنها للمصالح صرف الفاضل إلى باقي المصالح كإصلاح الحصون والكراع والسلاح وإن فضل شيء ففي جواز صرفه إليهم وجهان ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف‏.‏

إحداها جاء رجل فطلب إثبات اسمه في الديوان أجابه الإمام إن وجد في المال سعة وفي الطالب أهلية وإلا فلا‏.‏

المسألة الثانية لا يحبس شيء من مال الفيء خوفا أن ينزل بالمسلمين نازلة بل يفرغ الجميع في الوقت المعين ثم إن نزلت نازلة فعلى جميع المسلمين القيام بأمرها فإن غشيهم العدو فعلى جميعهم أن ينفروا‏.‏

المسألة الثالثة قال الشافعي رضي عنه يرزق من مال الفيء الحكام وولاة الأحداث والصلاة وكل من قام بأمر الفيء من وال وكاتب وجندي لا يستغني أهل الفيء عنهم والمراد بالحكام الذين يحكمون بين أهل الفيء في مغزاهم وولاة الأحداث قيل هم الذين يعلمون أحداث أهل الفيء الفروسية والرمي وقيل هم الذين ينصبون في الأطراف لتولية القضاة وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من أهل الفساد ونحوها من الأحداث وولاة الصلاة الذين يقيمون لهم الجمعات والجماعات وكذلك يرزق عرفاء أهل الفيء وإذا وجد من يتطوع بهذه الأعمال لم يرزق عليها غيره‏.‏

المسألة الرابعة يجوز أن يكون عامل الفيء من ذوي القربى قال الماوردي رحمه الله عامل الفيء إن ولي وضع أموال الفيء وتقديرها وتقريرها اشترط كونه مسلما حرا مجتهدا عارفا بالحساب والمساحة وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها سقط الشرط الثالث وإن ولي جباية نوع خاص من الفيء نظر إن لم يستغن فيه عن استنابة اشترط إسلامه وحريته واطلاعه بشرط ماولي من حساب ومساحة لما فيه من معنى الولاية وإن استغنى عن الاستنابة جاز أن يكون عبدا لأنه كالرسول المأمور وأما تولية الذمي فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجار جازت وإن كانت من المسلمين ففي جوازها وجهان قلت الأصح المنع و الله أعلم‏.‏

وإذا فسدت ولاية العامل وقبض المال مع فسادها برىء الدافع لبقاء الإذن فلو نهي عن القبض بعد فسادها لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي وإن جهله فوجهان كالوكيل قلت قال الماوردي إذا تأخر العطاء عن المثبتين في الديوان عند استحقاقهم وكان المال حاصلا فلهم المطالبة كالديون وإن أعوز بيت المال كانت أرزاقهم دينا على بيت المال وليس لهم مطالبة ولي الأمر به‏.‏

قال وإذا أراد ولي الأمر إسقاط بعضهم لسبب جاز وبغير سبب لا يجوز وإذا أراد بعضهم إخراج نفسه من الديوان جاز إن استغنى عنه ولا يجوز مع الحاجة إلا أن يكون معذورا قال وإذا جرد الجيش للقتال فامتنعوا وهم أكفاء من حاربهم سقطت أرزاقهم وإن ضعفوا عنه لم تسقط وإذا جرد أحدهم لسفر أعطي نفقة سفره إن لم يدخل في تقدير عطائه ولم يعط إن دخل فيه وإذا تلف سلاحه في الحرب أعطي عوضه إن لم يدخل في تقدير عطائه إلا فلا

 الباب الثاني في الغنيمة

وقد ذكرنا أنها المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار بايجاف الخيل والركاب قال البغوي سواء ما أخذناه من أيديهم قهرا وما استولينا عليه بعدما هزمناهم في القتال وتركوه وحل الغنيمة مختص بهذه الأمة زادها الله شرفا وكانت في أول الاسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يصنع فيها ما يشاء وعليه يحمل إعطاؤه صلى الله عليه وسلم من لم يشهد بدرا ثم نسخ ذلك فجعل خمسها مقسوما خمسة أسهم كالفيء قال الله تعالى واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وجعل أربعة أخماسها للغانمين ويعرض في أموال الغنيمة النفل والرضخ والسلب والقسمة ويحصل بيانها في أربعة أطراف الأول النفل بفتح النون والفاء وهو زيادة مال على سهم الغنيمة يشرطه الإمام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة في العدو أو توقع ظفر أو دفع شر وذلك كالتقدم على طليعة أو التهجم على قلعة أو الدلالة عليها وكحفظ مكمن وتجسس حال وشبهها وإنما ينفل إذا مست حاجة لكثرة العدو وقلة المسلمين واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن ولذلك نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات دون بعض ثم الكلام فيمن شرط له وفي محل المشروط وقدره أما الأول فيجوز كونه شخصا معينا وجماعة ويجوز أن يطلق فيقول من فعل كذا فله كذا وأما محله فيجوز أن يشرط النفل من مال المصالح المرصدة ببيت المال وحينئذ يشترط كونه معلوما ويجوز أن يشرطه مما سيغنم ويؤخذ من الكفار في هذا القتال وحينئذ يذكر جزءا كثلث أو ربع وغيرهما ويحتمل الجهالة للحاجة وإذا نفل من الغنيم فمم ينفل فيه أوجه ويقال أقوال أصحها من خمس خمسها والثاني من أصلها والثالث من أربعة أخماسها‏.‏

وأما قدره فليس له حد مضبوط فيجتهد الإمام ويجعله بقدر العمل وخطره وقد صح في كتاب الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وفي رواية الترمذي القفول بدل الرجعة وقيل البدأة السرية الأولى والرجعة الثانية وقال الجمهور البدأة السرية التي يبعثها الإمام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له والرجعة التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الإسلام ونقص البدأة لأنهم مستريحون لم يطل بهم السفر ولأن الكفار في غفلة ولأن الإمام من ورائهم يستظهرون به والرجعة بخلافهم في كل ذلك واختلفوا في المراد بالحديث بحسب اختلافهم في محل النفل فقيل المراد ثلث خمس الخمس أو ربعه وقيل ثلث الجميع أو ربعه وقيل ثلث أربعة أخماسها أو ربعها وقيل المراد أنه يزاد نصيب كل شخص من الغنيمة مثل ثلثه أو ربعه ويجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بالاجتهاد‏.‏

إذا قال الامير من أخذ شيئاً فهو له لم يصح‏.‏

فرع من ظهر منه في الحرب مبارزة وحسن إقدام وأثر محمود أعطي وزيد من سهم المصالح ما يليق بالحال الطرف الثاني في الرضخ فالصبي والعبد والمرأة والخنثى والزمن والذمي لا يسهم لهم لكن يرضخ لهم وهذا الرضخ مستحق على المشهور وفي قول مستحب ويجتهد الإمام في قدره ولا يبلغ به سهم راجل إن كان من يرضخ له راجلا وإن كان فارسا فوجهان بناء على أنه هل يجوز أن يبلغ تعزير الحر حد العبيد وبالمنع قطع الماوردي وسواء حضر العبد بإذن سيده والصبي بإذن وليه والمرأة بإذن زوجها أم بغير إذنهم وإن حضر الذمي بغير إذن الإمام لم يستحق شيئاً على الصحيح بل يعزره الإمام آن ذلك وإن حضر بإذنه فإن كان استأجره فله الأجرة فقط وإلا فله الرضخ على الصحيح وقيل لا شيء له وقيل إن قاتل استحق وإلا فلا وإذا حضر نساء أهل الذمة بإذن الإمام فلهن الرضخ على الأصح‏.‏

فرع يفاوت الإمام بين أهل الرضخ بحسب نفعهم فيرجح المقاتل ومن قتاله أكثر على غيره والفارس على الراجل والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطاش على التي تحفظ الرجال بخلاف سهم الغنيمة فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره لأنه منصوص عليه والرضخ بالاجتهاد كدية الحر وقيمة العبد‏.‏

فرع في محل الرضخ للعبيد والصبيان والنساء ثلاثة أقوال أظهرها من أربعة أخماس الغنيمة والثاني من أصلها والثالث من خمس الخمس وأهل الذمة كالعبيد على المذهب وقيل يرضخ لهم من خمس الخمس قطعاً وحيث رضخنا من أصل الغنيمة يبدأ به كالسلب ثم يقسم الباقي خمسا وأربعة أخماس‏.‏

فرع إذا انفرد العبيد والنساء والصبيان بغزوة وغنموا خمست وفي الباقي أوجه أصحها يقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل والثاني يقسم كالغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم والثالث يرضخ لهم منه ويجعل الباقي لبيت المال وخصص البغوي هذا الخلاف بالصبيان والنساء وقطع في العبيد بكونه لسادتهم وحكى أنه لو سبى مراهقون أو مجانين صغارا حكم باسلامهم تبعا لهم أما إذا كان مع أهل الرضخ واحد من أهل الكمال فيرضخ لهم والباقي لذلك الواحد‏.‏

فرع فرع من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره رضخ له مع المسعودي والبغوي ومنهم من ينازع كلامه فيه وقيل يزاد من سهم المصالح ما يليق بالحال‏.‏

فرع لو زال نقص أهل الرضخ فعتق العبد وأسلم الكافر وبلغ الصبي انقضاء دار الحرب أسهم لهم وإن كان بعد انقضائها فقد أطلق الماوردي أنه ليس لهم إلا الرضخ وينبغي أن يجيء فيما بين انقضاء الحرب وحيازة المال الخلاف الآتي فيمن حضر في هذا الحال الطرف الثالث في السلب هو للقتال والكلام في سبب استحقاقه ومستحقه ونفسه وكيفية إخراجه من الغنيمة أما سبب استحقاقه فقال في الوسيط في ضبطه هو ركوب الغرر في قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي شره بالكلية وفيه قيود أحدها ركوب الغرر فلو رمى من حصن أو من وراء الصف كافرا وقتله لم يستحق سلبه وكذا لو رمى من صف المسلمين إلى صف الكفار فقتل رجلا‏.‏

القيد الثاني إقبال الكافر على القتال وليس المراد اشتغاله بالقتال حين قتله لأنهما لو تقاتلا زمانا ثم هرب فقتله المسلم في إدباره قال الأصحاب استحق سلبه ولا يشترط أيضاً أن تكون مقاتلته مع قاتله بل لو قصد كافر مسلما فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله استحق سلبه بل المرعي ما ذكره أصحابنا العراقيون أن يقتله مقبلا أو مدبرا والحرب قائمة فأما إذا انهزم جيش الكفار فاتبعهم فقتل كافرا فلا يستحق سلبه لأن بهزيمتهم اندفع شرهم وما دامت الحرب قائمة فالشر متوقع والمولي لا تؤمن كرته ولو قتل كافرا وهو أسير في يده أو نائم أو مشغول بأكل أو نحوه أو مثخن زائل الامتناع لم يستحق سلبه القيد الثالث قهره بما يكفي شره بالكلية بقتل أو إثخان أو إزالة امتناع بأن يعميه أو يقطع يديه ورجليه ولا يلحق به قطع يد أو رجل فلو قطع يديه أو رجليه أو يدا ورجلا فهو إثخان على الأظهر وهو رواية المزني وبه قطع جماعة ولو اشترك جماعة في قتله أو إثخانه فالسلب لهم وفي وجه أنه لو وقع بين جماعة لا يرجى نجاته منهم لم يختص قاتله بسلبه لأنه زال شره بالوقوع بينهم قال أبو الفرج الزاز لو أمسكه واحد وقتله آخر فالسلب بينهما لاندفاع شره بهما وكأن هذا فيما إذا منعه الهرب ولم يضبطه فأما الامساك الضابط فإنه أسر وقتل الاسير لا يستحق به السلب ولو أثخنه فقتله اخر فالسلب للمثخن ولو جرحه فلم يثخنه فقتله آخر فالسلب للثاني ولو أسره ففي استحقاقه سلبه قولان‏:‏ أحدهما لا لأنه لم يدفع كل شره وأظهرهما نعم لأنه أصعب من القتل وأبلغ في القهر ولأن الإمام يتمكن فيه من القتل وغيره ثم الإمام يتخير في الأسير الذي ليس من الذرية بين القتل والاسترقاق والمن والفداء كما يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

فإن ارقه فهل لمن أسره رقبته أو فاداه هل له مال الفداء اطرد فيه القولان وقيل وجهان ويشبه أن يكون الأظهر هنا المنع لأن اسم السلب لا يقع عليه‏.‏

فرع لو كان الكافر المقتول امرأة أو صبيا إن كان لا يقاتل سلبه لأن قتله حرام وإن كان يقاتل استحق سلبه على الأصح والعبد كالصبي وقيل بالاستحقاق قطعا‏.‏

 فصل استحقاق السلب

فأما استحقاق السلب فكل من يستحق سهم الغنيمة يستحق السلب والمذهب أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه ولا يستحقه الذمي على المذهب وإذا قلنا لا تستحق المرأة فكان القاتل خنثى وقف السلب حتى يتبين‏.‏

وإذا حضر الذمي بغير إذن الإمام فلا سلب له قطعاً ولا سلب للمخذل قطعاً والتاجر إذا قلنا لا سهم له كالصبي‏.‏

 فصل نفس السلب

وأما نفس السلب فما عليه من ثياب بدنه والخف والرانين وما من آلات الحرب كالدرع والمغفر والسلاح ومركوبه الذي يقاتل عليه وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها وكذا لو كان ممسكا عنانه وهو يقاتل راجلا وفيما عليه من الزينة كالطوق والسوار والمنطقة والخاتم والهميان وما فيه من النفقة فقولان ويقال وجهان أحدهما ليست سلبا كثيابه وأمتعته المخلفة في خيمته وأظهرهما أنها سلب لأنها مسلوبة والجنيبة التي تقاد بين يديه فيها هذا الخلاف وقيل بالمنع والأصح أنها سلب صححه الروياني وغيره قال أبو الفرج الزاز فعلى هذا لا يستحق إلا جنيبة واحدة فعلى هذا يبقى النظر إذا قاد جنائب في أن السلب أيتها يرجع إلى تعيين الإمام أم يقرع قلت تخصيص أبي الفرج بجنيبه فيه نظر وإذا قيل به فينبغي أن يختار القاتل جنيبة قتيله فهذا هو المختار بل الصواب بخلاف ما أبداه الرافعي و الله أعلم‏.‏

والحقيبة المشدودة على فرسه وما فيها من الدراهم والامتعة ليست سلبا على المذهب وقيل كالمنطقة‏.‏

 فصل كيفية إخراج السلب

وأما كيفية إخراج السلب ففي تخميسه قولان المشهور لا يخمس والثاني يخمس فيدفع خمسه لأهل الخمس وباقيه للقاتل ثم يقسم باقي الغنيمة‏.‏

فرع لا فرق في استحقاق السلب بين أن يقتل كافرا مبارزة وبين ينغمر في صف العدو فيقتله ولا بين أن يقول الإمام من قتل فله السلب وبين أن لا يقول الطرف الرابع في قسمة الغنيمة من أحكام قسمتها ما يتعلق بهذا الموضع ومنها ما يتعلق بكتاب السير فمما يتعلق بهذا الباب أنه إذا أراد الإمام أو أمير الجيش القسمة بدأ بالسلب فأعطاه للقاتل تفريعا على المشهور أن السلب لا يخمس ثم يخرج المؤن اللازمة كأجرة حمال وحافظ وغيرها ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية ويأخذ خمس رقاع فيكتب على واحدة لله تعالى أو للمصالح وعلى أربع لغانمين ويدرجها في بنادق متساوية ويجففها ويخرج لكل قسم رقعة فما خرج عليه سهم الله تعالى جعله بين أهل الخمس على خمسة أسهم ومنه يكون النفل على الأصح ويقسم الباقي على الغانمين ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس لأنهم حاضرون محصورون ومنها يكون الرضخ على الأظهر وسواء في القسمة المنقول والعقار لعموم الآية ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب قلت هذه العبارة ناقصة فالصواب أن يقال يستحب قسمتها في دار الحرب كما قاله أصحابنا بل قد ذكر صاحب المهذب وغيره أنه يكره تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر و الله أعلم‏.‏

 فصل فيمن يستحق السهم

من شهد الوقعة بنية الجهاد استحقه قاتل أو لم يقاتل إذا كان ممن يسهم له ويتعلق بهذا الأصل صور‏.‏

إحداها‏:‏ من حضر قبل انقضاء القتال استحق وإن حضر بعد حيازة المال فلا وإن حضر بعد انقضائه وقبل حيازة المال فقولان وقيل وجهان أظهرهما لا يستحق والثاني بلى وقيل إن خيف رجعة الكفار استحق وإلا فلا ولو أقاموا على حصن وأشرفوا على فتحه فلحق مدد قبل الفتح شاركوهم وإن فتحوا ودخلوا آمنين ثم جاء المدد لم يشاركوهم‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ غاب في أثناء القتال منهزما ولم يعد حتى انقضى القتال فلا حق له وإن عاد قبل انقضائه استحق من المحوز بعد عوده دون المحوز قبل عوده كذا ذكره البغوي وقياسه أن يقال فيمن حضر قبل انقضاء القتال لا حق له في المحوز قبل حضوره كذا نقله أبو الفرج الزاز عن بعض الأصحاب وإن كنا أطلقناه في الصورة السابقة قلت هذا الذي نقله أبو الفرج متعين وكلام من أطلقه محمول عليه والله أعلم‏.‏

وإن ولى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة استحق على تفصيل مذكور في كتاب السير ومن هرب ثم ادعى أنه كان متحرفا أو متحيزا قال الغزالي يصدق بيمينه وقال البغوي إن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال لم يصدق لأن الظاهر خلافه وإن عاد قبله صدق بيمينه فإن حلف استحق من الجميع وإن نكل لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده قلت الذي قاله البغوي أرجح و الله أعلم‏.‏

الصورة الثالثة‏:‏ مات بعضهم قبل الشروع في القتال فلا حقله ولو مات فرسه أو سرق أو عار أو خرج من يده ببيع أو هبة ونحوهما لم يستحق سهم الفرس وفيما إذا عار وجه ضعيف ولو مات رجل بعد انقضاء الحرب وحيازة المال انتقل حقه إلى ورثته ولو مات فرسه في هذه الحال استحق سهم الفرس ولو مات الرجل بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة انتقل حقه إلى ورثته على الأصح ولو مات فرسه في هذا الحال استحق سهم الفرس على الأصح ولو مات في أثناء القتال سقط حقه على المنصوص ونص في موت الفرس في هذا الحال أنه يستحق سهم الفرس وللأصحاب طرق أصحها تقرير النصين لأن الفارس متبوع والفارس تابع‏.‏

وقيل قولان فيهما وقيل إن حيز المال بقتال جديد فلا استحقاق فيهما وإن أفضى ذلك القتال إلى الحيازة استحق فيهماالصورة الرابعة إذا شهد الوقعة صحيحا ثم مرض مرضا لا يمنع القتال كالحمى الخفيفة والصداع أو مرضا يرجى زواله لم يبطل حقه وإن كان غير ذلك كالزمانة والفالج ففي بطلان حقه قولان أو وجهان أظهرهما لا يبطل ولو خرج في الحرب استحق على المذهب ثم الأكثرون أطلقوا القول في رجاء الزوال وعدمه وحكي عن بعض أصحاب الإمام أن المعتبر رجاء الزوال قبل انجلاء القتال وإذا لم يستحق المريض رضخ له والمرض بعد انقضاء القتال وقبل حيازة المال على الخلاف السابق الصورة الخامسة المخذل للجيش يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف إن حضر لم يعط سهما ولا رضخا ولا يلحق الفاسق بالمخذل على الصحيح وقيل يلحق لأنه لا يؤمن تخذيله قلت كذا قطع الجمهور أن المخذل لا رضخ له وقال الجرجاني في التحرير إن حضر بإذن الإمام رضخ له و الله أعلم‏.‏

 فصل بعث الإمام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب

وهو مقيم فغنمت لم يشاركها الإمام ومن معه من الجيش قلت سواء كانت دار الحرب قريبة من الإمام أم لا حتى لو بعث سرية وقصد الخروج وراءها فغنمت السرية قبل خروجه لم يشاركها وإن قربت دار الحرب لأن الغنيمة للمجاهدين وقبل الخروج ليسوا مجاهدين و الله أعلم‏.‏

ولو بعث سريتين إلى جهتين لم تشارك إحداهما الاخرى فلو أوغلتا في ديار الكفار والتقتا في موضع اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع ولو بعثهما إلى جهة واحدة فإن أمر عليهما أميرا واحدا أو كانت إحداهما قريبة من الاخرى بحيث تكون كل واحدة عونا للأخرى اشتركتا وإلا فلا ولو دخل الإمام أو الامير دار الحرب وبعث سرية في ناحية فغنمت شاركهم جيش الإمام ولو غنم الجيش شاركته السرية لاستظهار كل بالآخر ولو بعث سريتين إلى جهة اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم ولو بعثهما إلى جهتين فكذلك على الصحيح وقيل لا شركة بين السريتين هنا ثم ذكر ابن كج والإمام أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة وحد القرب أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا ولم يتعرض أكثر الأصحاب لهذا واكتفوا باجتماعهم في دار الحرب قلت هذا المنقول عن الأكثرين هو الأصح أو الصحيح والله أعلم‏.‏

فعلى الأول لو كانت إحداهما قريبة والاخرى بعيدة اختصت القريبة بالمشاركة‏.‏

فرع بعث الإمام جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه شاركهم على الأصح وبه قال الداركي لأنه فارقهم لمصلحتهم وخاطر بما هو أعظم من شهود الوقعة‏.‏

 فصل إذا شهد الأجير مع المستأجر الوقعة

نظر إن كانت الاجارة لعمل في الذمة بغير تعيين مدة كخياطة ثوب وبناء حائط استحق السهم قطعاً وإن تعلقت بمدة معينة بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة شهرا فنقل الغزالي والبغوي أنه إن لم يقاتل فلا سهم له وإن قاتل فثلاثة أقوؤل وأطلق المسعودي وآخرون الأقوال من وكذلك أطلقها الشافعي رضي الله عنه في المختصر أظهرها له السهم لحضور الوقعة والثاني لا وعلى هذين يستحق الاجرة بمقتضى الاجارة والثالث يخير بين الاجرة والسهم فإن اختار الاجرة فلا سهم وإن اختار السهم فلا أجرة قال صاحب الافصاح هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الامام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من سهم الغزاة من الصدقات فيخيره الإمام إما أجير آحاد الناس فلا يجيء فيه هذا القول لأن الاجارة لازمة إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة وقال الأكثرون يجري القول الثالث في كل أجير كما أطلقه الشافعي رحمه الله لأن لزوم الإجارة لا يختلف ثم على الثالث إذا اختار السهم ففيما يسقط من الاجرة وجهان أحدهما قسطها من وقت دخول دار الحرب وأصحهما من وقت شهود الوقعة وأما وقت تخييره فنقل في الشامل عن الأصحاب أنهم قالوا يخير إما قبل القتال وإما بعده فيقال قبله إن أردت القتال فاطرح الأجرة وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد ويقال بعده إن كنت قصدت الجهاد فلا أجرة لك وإن كنت قصدت الأجرة فخذها ولا سهم لك والمراد أنه يحصل الغرض بكل واحد منهما إلا أنه يخير في الحالتين جميعا‏.‏

فرع إذا أسهمنا للأجير فله السلب إذا قتل وإن لم نسهم فوجهان وعلى هذا يرضخ له على الصحيح كالعبد وقيل لا لأنه لم يسهم له وهو من أهله بخلاف العبد‏.‏

فرع هذا المذكور في الاجير لغير الجهاد فأما الاجير للجهاد ففي صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في السير إن شاء الله تعالى‏.‏

فإن صحت الإجارة فله الأجرة ولا سهم ولا رضخ وإلا فلا أجرة وفي سهم الغنيمة وجهان أحدهما يستحقه لشهوده الوقعة والثاني المنع وبه قطع البغوي قاتل أم لا لأنه أعرض عنه بالاجارة‏.‏

 فصل تجار العسكر وأهل الحرف

كالخياطين والسراجين والبزازين والبقالين وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة إذا شهدوا الوقعة ففي استحقاقهم السهم طرق المذهب أنهم إن قاتلوا استحقوا وإلا فلا وهو ظاهر نصه في المختصر وقيل بالاستحقاق مطلقا وهو الأصح عند الروياني وبالمنع مطلقا وإذا لم نسهم لهم فلهم الرضخ على الأصح‏.‏

إذا أفلت أسير من الكفار وشهد الوقعة مع المسلمين فإن كان هذا الجيش استحق السهم قاتل أم لا وإن أسر من جيش آخر فهل يستحق لشهوده الوقعة أم لا لعدم قصده الجهاد قولان ثم قيل بطرد القولين قاتل أم لا والمذهب والمنصوص في المختصر أنهما إذا لم يقاتل فإن قاتل استحق قطعاً هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة فإن أفلت بعد الحرب وقبل الحيازة فعلى ما سبق في لحوق المدد وإن أفلت بعد الحيازة قال في الشامل إن قلنا تملك الغنيمة بالحيازة فلا سهم له وإلا فهو كما لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل وإذا لم يسهم له ففي الرضخ الخلاف السابق‏.‏

 فصل أسلم كافر والتحق بجيش الاسلام فشهد الوقعة يسهم له

إن قاتل قطعاً وكذا إن لم يقاتل على الصحيح لأنه قصد إعلاء كلمة الاسلام وشهد الوقعة وفي الرقم للعبادي أنه لا يستحق‏.‏

 فصل سبق أن الغنيمة يبدأ منها بالسلب

والمؤن ثم يقسم الباقي خمسة أقسام ويجعل أربعة أخماسها للغانمين فيسوى بينهم في ذلك ولا يفضل بعضهم إلا بشيئين أحدهما النقصان المقتضي للرضخ تفريعا على الأظهر أنه من أربعة أخماسها والثاني أن الفارس يفضل على الراجل فيعطى الفارس ثلاثة أسهم سهمين لفرسه وسهما له ويعطى الراجل سهما ويتعلق بهذا الأصل مسائل إحداها راكب البعير والفيل والحمار والبغل لا يلحق بالفارس لكن يعطى الراكب سهمه ويرضخ لهذه الدواب ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار ولا يبلغ رضخها سهم فرس ويرضخ للصبي والذمي الفارسين أكثر مما يرضخ لو كانا راجلين‏.‏

المسألة الثانية سواء في الخيل العتيق وهو الذي أبواه عربيان والبرذون وهو الذي أبواه أعجميان والهجين وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمقرف وهو الذي أبوه عجمي وأمه عربية لأن الكر والفر يقع منها كلها ولا يضر تفاوتها كالرجال وقي قول شاذ لا يسهم للبرذون بل يرضخ له‏.‏

المسألة الثالثة ليتعهد الإمام الخيل إذا أراد دخول دار الحرب فلا يدخل إلا فرسا شديدا ولا يدخل حطما وهو الكسير ولا قحما وهو الهرم ولا ضرعا وهو الصغير الضعيف ولا أعجف رازحا والاعجف المهزول والرازح هو بين الهزال قلت القحم بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة والضرع بفتح الضاد المعجمة وفتح الراء أيضاً والرازح بالراء وبعد الالف زاي مكسورة ثم حاء مهملة وضبطت هذه الالفاظ لأنها في كلام الشافعي وكتب الاصحاب رحمهم الله ورأيت من صحفها فأردت السلامة و الله أعلم‏.‏

فلو أدخل بعضهم شيئاً منها نظر إن نهى الإمام عن إدخاله وبلغه النهي لم يسهم لفرسه وإن لم ينه أو لم يبلغه النهي فقولان أحدهما يسهم له كالشيخ الضعيف وأظهرهما لا لأنه لا فائدة فيه بل هو كل بخلاف الشيخ فإنه ينتفع برأيه ودعائه وقال الشيخ أبو إسحق لا خلاف في المسألة بل القول الأول محمول على ما إذا أمكن القتال عليه والثاني إذا لم يمكن‏.‏

المسألة الرابعة من حضر بفرسين لم يسهم إلا لواحد على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى بعضهم قولا أنه يسهم لفرسين ولا يزاد‏.‏

المسألة الخامسة يسهم للفرس المستعار والمستأجر فيكون السهم للمستعير والمستأجر وحكي وجه أنه للمعير وأما الفرس المغصوب فالمذهب أنه يسهم له ويكون سهمه للغاصب وقيل للمغصوب منه وقيل لا يسهم له لأن إحضاره حرام فهو كالمعدوم‏.‏

المسألة السادسة إذا كان القتال في ماء أو حصن وقد أحضر فرسه أسهم لفرسه لأنه قد يحتاج إلى الركوب نص عليه وحمله ابن كج على ما إذا كانوا بالقرب من الساحل واحتمل أنه يخرج ويركب فإن لم يحتمل الحال الخروج فلا معنى لاعطاء سهم الفرس‏.‏

المسألة السابعة حضر اثنان بفرس مشترك بينهما فهل يعطى كل منهما سهم فرس لأن معه فرسا قد يركبه أم يعطيان سهم فرس واحد مناصفة أم لا يعطيان للفرس شيئاً لأنه لم يحضر واحد منهما بفرس تام فيه أوجه قلت لعل الأصح المناصفة و الله أعلم‏.‏

ولو ركب اثنان فرسا وشهدا الوقعة فهل لهما سنة أسهم لأنهما فارسان أم سهمان لأنهما راجلان لتعذر الكر والفر أم أربعة أسهم سهمان لهما وسهمان للفرس فيه ثلاثة أوجه وبالله التوفيق‏.‏

قلت اختار ابن كج في التجريد وجها رابعا حسنا أنه إن كان فيه قوة الكر والفر مع ركوبهما فأربعة أسهم وإلا فسهمان ومن مسائل الباب لو دخل دار الحرب راجلا ثم حصل فرسا ببيع أو إعارة أو غيرهما وحضر به الحرب أسهم له قال صاحب العدة ولو حضر فارسا فضاع فرسه فأخذه رجل وقاتل عليه فأسهم المقاتل له وللفرس كان سهما الفرس لمالكه لأنه شهد الوقعة وفرسه حاضر ولم يوجد منه اختيار إزالة يد فصار كما لو كان معه ولم يقاتل عليه ويفارق المغصوب حيث قلنا سهم الفرس للغاصب على المذهب لأن المالك لم يشهد الوقعة ومنها الأعمى والزمن ومقطوع اليدين والرجلين المذهب أنه لا يسهم لهم لكن يرضخ وحكى الجرجاني في استحقاقهم السهم قولين ولو شرط الإمام للجيش أن لا يخمس عليهم فشرطه باطل ويجب تخميس ما غنموا وسواء شرط ذلك لضرورة أم لا وحكى ابن كج وجها أنه إن شرطه لضرورة لم يخمس وهذا شاذ باطل ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنمت خمس على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى ابن كج وجها أنه لا يخمس وهو باطل ولو كان معه فرس فلم يركبه ولم يعلم به قال ابن كج لم يسهم له بلا خلاف قال ولو علم به ولم يركبه بحال فلا سهم له قال وعندي يسهم